الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
فمن الحوادث فيها أن السيدة أرسلان خاتون زوجة الخليفة دخلت إلى بغداد في جمادى الأولى وخرج الناس لتقيها واستقبها الوزير فخر الدولة على نحو فرسخ وخدمها بالدعاء على ظهر فرسه وحضر العميد أبو سعد المستوفي في بيت النوبة حتى قرئت الكتب الواردة في هذه الصحبة وهي مشتملة على التمسك بالطاعـة والتصـرف علـى قوانيـن الخدمـة والإجابـة إلـى المرسوم وخوطب فيها الوزير بالوزير الأجل بعد أن كان يكتب إليه الرئيس الأجل. وفـي هـذه الأيـام بنـى أبـو سعـد المستوفـي الملقـب شـرف الملك مشهد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وعمل لقبره ملبنًا وعقد القبة وعمل المدرسة بإزائه وأنزلها الفقهاء ورتب لهم مدرسًا فدخل أبو جعفر ابن البياضي إلى الزيارة فقال ارتجالًا: ألم تر أن العلم كان مضيًّا فجمعه هذا المغيّب في اللحـد كذلك كانت هذه الأرض ميتة فأنشرها جود العميد أبي سعد قـال المصنـف رحمـه اللـه: قـرأت بخـط أبـي الوفـاء بـن أبـي عقيـل قـال: وضـع أساس مسجد بين يدي ضريح أبي حنيفة بالكلس والنورة وغيره فجمع سنة ست وثلاثين وأربعمائة وأنا ابن خمس سنين أو دونها بأشهر وكان المنفق عليه تركيًا قدم حاجًا ثم قدم أبو سعد المستوفي وكان حنفيًا متعصبًا وكان قبر أبي حنيفة تحت سقف عمله بعض الأمراء التركمان وكان قبل ذلك وأنـا صبـي عليـه خربشـت خاصـًا لـه وذلـك فـي سننتـي سبـع أوثمـان وثلاثيـن قبل دخول الغز بغداد سنة سبع وأربعين فلما جاء شرف الملك سنة ثلاث وخمسين عزم على إحداث القبة وهي هذه فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر وبنى هذا المشهد وحفر أساس القبة وكانوا يطلبـون الـأرض الصلبـة فلـم يبغلـوا إليهـا إلا بعـد حفـر سبعـة عشـر ذراعـًا فـي ستة عشر يومًا فخرج مـن هذا الحفر عظام الأموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صن ونقلت جميعها إلى بقعـة كانـت ملكـًا لقوم فحفر لها ودفنت وخرج في ذلك الأساس شخص منتظم العظام له ريح كريح الكافور. قال ابن عقيل: فقلت: وما يدريكم لعل النعمان قد خرجت عظامه في هذه العظام وبقيت هذه القبة فارغة من مقصود. قـال: فبعـث شـرف الملـك إلى أبي منصور بن يوسف شاكيًا منه مقابلتي على ذلك فكان غاية ما قال لي بعد أن أحضرني في خلوة: يا سيدي رأيت منكرًا فاشيًا فما ملت نفرتي الدينية قال ابن عقيل: وكانت العمارة في سنة تسع وخمسين وساجه وأبوابه غصب من بعض بيع سامرا فما عند هؤلاء من الدين خبر. أخبرنـا محمـد بـن ناصـر الحافـظ أنبانـا أبـو الحسيـن المبـارك ابـن عبد الجبار الصيرفي قال: سمعت أبا الحسيـن ابـن المهتـدي يقـول: لا يصـح أن قبـر أبـي حنيفـة فـي هـذا الموضع الذي بنوا عليه القبة وكان الحجيج قبل ذلك يردون ويطوفون حول المقبرة فيزورون أبا حنيفة لا يعينون موضعًا. وفـي شعبـان: هبـت ريـح حـارة فقتلـت بضعة عشر نفسًا كانوا مصعدين من واسط وخيلًا كثيرة وفي ليلة الأحد سلخ شعبان احترقت تربة معروف الكرخي وكان السبب أن القيم بها كان مريضًا فطبخ له شعير فبعدت النار إلى خشب وبواري هناك وارتفعت إلى السقوف فأتت على الكل فاحترقت القبة والساباط وجميع ما كان ثم أمر القائم بأمر الله بعمارة المكان. وفي شوال: لحق الدواب موتان وانتفخت رؤوسها وأعينها حتى كانوا يصيدون حمر الوحش بأيديهم فيعافون أكلها ووقع عقيـب ذلـك بنيسابـور وأعمـال خراسـان الغـلاء الشديـد والوبـاء المفرط وكذلك بدمشق وحلب وحران. وفـي هـذه السنـة: قبـل قاضـي القضـاة أبـو عبـد اللـه الدامغانـي شهـادة الشريف أبي الحسن محمد بن علي بن المهتدي وأبي طاهر عبد الباقي بن محمد البزار.وفي يوم السبت عاشر ذي القعدة: جمع العميد أبو سعد القاضي الناس على طبقاتهم إلى المدرسـة النظاميـة التي بناها نظام الملك ببغداد للشافعية وجعلها برسم أبي اسحاق الشيرازي بعـد أن وافقـه علـى ذلـك فلمـا كان يوم اجتماع الناس فيها وتوقعوا مجيء أبي إسحاق فلم يحضر فطلب فلم يظهر وكان السبب أن شابًا لقيه فقال: يا سيدنا تريد تدرس في المدرسة فقال: نعـم فقـال: كيـف تـدرس فـي مكـان مغصوب فغيّر نيّته فلم يحضر فوقع العدول إلى أبي نصر بن الصباغ فجعل مكانه فركن إلى قوله فجلس وجرت مناظرة وتفرقا وأجرى للمتفقهة لكل واحد أربعة أرطال خبز كل يوم وبلغ نظام الملك فأقام القيمة على العميد وظهر أبو إسحاق في مسجد بباب المراتب فدرس على عادته فاجتمع العوام فدعوا وأثنوا عليه وكان قد بلغ إليهم أنـه قـال: إنـي لـم أطـب نفسـًا بالجلـوس فـي هـذه المدرسـة لمـا بلغنـي أن أبـا سعـد القاشـي غصـب أكثـر آلاتها ونقض قطعة من البلد لأجلها ولحق أصحابه غم. وراسلوه لما عرضوا فيه بالانصراف عنه والمضي إلى ابن الصباغ إن لم يجب إلى الجلوس في المدرس ويرجع عن هذه الأخلاق الشرسة فأرضاهم بالاستجابة تطييبًا لقلوبهم وسعوا وهو أيضـًا فـي ذلـك إلـى أن استقـر الأمـر فـي ذلـك لـه وصـرف ابـن الصباغ فكانت مدة مقامه بها عشرين يومًا وجلس أبو إسحاق فيها في ذي الحجة وكان إذا حضر وقت الصلاة خرج منها وقصد بعض المساجد فأداها. أنبأنـا أبـو زرعـة طاهـر بـن محمـد المقدسي عن أبيه قال: سمعت أبا القاسم منصور بن محمد بن الفضـل - وكـان فقيهـًا متورعـًا - يقـول: سمعـت أبـا علي المقدسي ببغداد يقول: رأيت أبا إسحاق الشيـرازي فـي المنـام فسألتـه عـن حالـه فقـال: طولبـت بهـذه البنيـة - يعنـي المدرسة النظامية - ولولا أني ما أديت فيها الفرض لكنت من الهالكين وفي هذه السنة: عقدت البصرة وواسط على هزارسب بثلثمائة ألف دينار. عبد الكريم بن علي بن أحمد أبو عبد الله التميمي المعـروف: بالسنـي القصـري مـن قصـر ابـن هبيرة ولد سنة إحدى وسبعين وثلثمائة سكن بغداد وحدّث بها عن أبي محمد بن الأكفاني وكان صدوقًا دينًا كثير التلاوة بالقرآن وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب. محمد بن إسماعيل بن محمد أبو علي القاضي من أهل طوس ولي القضاء بطوس ولقّب: بالعراقي لظرافته وطول مقامه ببغداد وكان فقيهًا فاضـلًا مبـرزًا بفقهه ببغداد اختلف إلى أبي محمد الباقي ثم إلى أبي حامد الاسفرائيني وسمع الحديث من أبي طاهر المخلص وتوفي في هذه السنة. أنـه خلـع علـى أبـي القاسـم عبـد اللـه بـن أحمـد بـن رضوان في دار الخلافة الخلع الكاملة والطيلسان ورد إليه النظر في المارستان. وبنيت تربة قبر معروف في ربيع الأول وعقد مشهده أزاجًا بالجص والآجر. وفـي جمـادى الأولـى: كانـت زلزلـة بـأرض فلسطيـن أهلكـت بلد الرملة ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صلى عليه وسلم ولحقت وادي الصفراءءء وخبير وانشقت الأرض عن كنوز من المال وبلغ حسها إلى الرحبة والكوفة وجاء كتاب بعض التجار في الزلزلة ويقول: إنها خسفت الرملة جميعها حتى لم يسلم منها إلا دربان فقط وهلك منها خمية عشر ألف نسمة وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى وغار البحر مسيرة يوم وساح في البر وخرّب الدنيا ودخل الناس إلى أرضه يلتقطون فرجع إليهم فأهلك خلقًا عظيمًا منهم.قال المصنف: وقرأت بخط أبي علي بن البناء قال: اجتمع الأصحاب وجماعة الفقهاء وأعيان أصحاب وجماعة الفقهاء وأعيان أصحاب الحديث في السبت النصف من جمادى الأولى من سنة ستين بالديوان العزيـز وسألـوا إخـراج الاعتقـاد القـادري وقراءتـه فأجيبـوا وقـرىء هنـاك بمحضر من الجمع وكان السبب أن ابن الوليد المعتزلي عزم على التدريس وحرضه على ذلك جماعة من أهل مذهبه وقالوا: قد مات الأجل بن يوسف وما بقى من ينصرهم فعبر الشريف أبو جعفر إلى جامع المنصور وفرح أهل السنة بذلك وكان أبو مسلم الليثي البخاري المحدّث معـه كتـاب التوحيد لابن حزمة فقرأه على الجماعة وكان الاجتماع يوم السبت في الديوان لقراءة الاعتقاد القادري والقائمي وفيه قال السلطان وعلى الرافضة لعنة الله وكلهم كفار قال: ومن لا يكفرهم فهو كافر ونهض ابن فورك قائمًا فلعن المبتدعة وقال: لا اعتقاد لنا إلا لنا ما اشتمل عليه هذا الاعتقاد فشكرته الجماعة على ذلك وكان الشريف أبو جعفر والزاهد أبو طاهر الصحراوي وقد سألا أن يسلم إليهم الاعتقاد فقال لهما الوزير ابن جهير: ليس ها هنا نسخة غيـر هـذه ونحـن نكتـب لكـم نسخـة لتقـرأ فـي المجالـس فقال: هكذا فعلنا في أيام القادر قرىء في المساجد والجوامع وقال: هكذا تفعلون فليس اعتقاد غير هذا وانصرفوا شاكرين. وفي يوم الأحد سابع جمادى الآخرة: قرأ الشريف أبو الحسين بن المهتدي الاعتقاد القادري والقائمي بباب البصرة وحضر الخاص والعام وكان قد سمعه من القادر. وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي القعدة خرج توقيع الخليفة إلى الوزير فخر الدولة أبي نصر محمد بن محمد بن جهير متضمنًا بعزله بمحضر من قاضي القضاة الدامغاني وعددت فيه ذنوبه فمنها: أنـه قيـل لـه إنـك بدلـت أشيـاء فـي الخدمـة فوفيـت بالبعض ومنها: إنك تحضر باب الحجرة من غير استئذان وقد قلت: ما يجب أن يدخل هذا المكان غيري ومنها: إنك لبست خلـع عضـد الدولة في الدار العزيزة في أشياء أخر وقيلله: انظر إلى أي جهة تحب أن تقصدها لنوجهك لنوصلك إليها. فبكى في الجواب بكاء شديدًا وقلق عظيمًا واعتذر عن كل ذنب بما يصلح وقـال: إذا رؤي إبعادي فإلى حلة ابن مزيد وبعد فأنا أضرع إلى العواطف المقدسة في إجرائي علـى كريـم العـادة المألوفـة في ترك المؤاخذ. فخرج الجواب عن الفصل الأخير المتعلق بالمسير إلى الحلة بأن الأمر يجري عليه واطرح جواب ما عداه ثم أذن له غلاته والتصرف في ماله وباع أصحابه ما لهم من الرحل والمتاع وطلقوا النساء وظهر من الاغتمام عليه من جميع أهل دار الخليفة الأمر العظيم وكانوا يحضرون عنده فيبكي ويبكون وخرج غلمانه وأصحابه فـي يـوم الخميس عاشر ذي القعدة وقدم له وقت العتمة من ليلة الجمعة سميرية خالية من فرش وبارية وجـاء هـو وأولـاده حتـى وقـف عنـد شباك المدورة وظن أن الخليفة في الشباك فقبّل الأرض عدة دفعات وبكى بكاء شديدًا وقال الله بينى و بينه من ثقل قلبك علي يا أمير المؤمنين فارحم شيبتي وأولادي وذلي وموقفي فلما يئس نزل إلى دجلة معضدًا بين نفسين وهو يبكي والعامة تبكي لبكائه وتدعوا له فيرد عليهم ويودعهم ثم أعيد إلى الوزارة بشفاعة دبيس بن مزيد. الشاهجانية ولدت سنة أربع وسبعين وثلثمائة وروت عن ابن سمعون وابن شاهين وكانت صادقة صالحة تسكن قطيعة الربيع. وتوفيت في هذه السنة ودفنت إلى جنب ابن سمعون وكانت قد صحبته. عبد الملك بن محمد بن يوسف أبو منصور الشيخ الأجل ولـم يكـن فـي زمانـه مـن يخاطـب بالشيـخ الأجل سواه ولد في سنة خمس وتسعين وثلثمائة وسمع أبا عمر بن المهدي وأبا الحسن بن الصلت وأبا الحسين بن بشران وغيرهم وكان أوحد زمانه فـي فعـل المعـروف والقيام بأمور العلم والنصرة لأهل السنة والقمع لأهل البدع وافتقاد المستورين بالبر ودوام الصدقة وكان إذا وصل أحد وصله سرًا حيث لايراه أحد فإذا شكره المعطـي قـال: إنمـا أنـا فـي هـذه العطيـة وسيـط وليـس مالـي ولمـا انحـدر البساسيري إلى واسط أخذ ابن معه فنزل على رجل طحان فلما رحل عنه أعطاه شيئًا ثم مضت مدة فركب الطحان ديون فقصد بغداد ودخل على ابن يوسف فأكرمه وأفرد له حجرة وكساه وأمر بعض غلمانه أن يسأله سبب قدومه فأخبره فحدث ابن يوسف بذلك فأرسل رجلًا إلى واسط واكترى له سفينة وحمل فيها ما يصلح حمله من الفوالكه والتحف وكسوة كبيرة وأعطاه مائتي دينار وقال له: ناد في الجامع من له دين على فلان فليحضر ومعه وثيقتة فإذا حضروا فعرفهم فقرة وإن رجلًا أقرضه شيئًا ليصالحوه على بعض ديونهم. ففعل ذلك وأشهد عليهم بالقبض وحمل تلك التحف إلى بيت الطحان وعاد الطحان فظن أن ابن يوسف قد نسيه فأحضره وسأل عن سبب قدومه فأخبره الوثائق وأعطاه مائة دينار. قـال المصنـف رحمـه اللـه: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قال: كان أبو منصور بن يوسف عين زمنا وكان قد انتقد أهل زمانه فاستعمل كل واحد منهم فيما يصلح لهم فاستعمل للحجر والباعة أفره من وجد من الأحداث الأقوياء الشطار فما قهر على رأي ولا كسر له غرض في بيـع واستعمـل فـي إقامـة الديانـة الحنابلـة مشايـخ أفـراد زهـاد منتزهيـن عـن معاشـرة السلاطيـن ومكاثرة أبناء الدنيا يقصدون ولا يقصدون العوام تعظمهم وتحبهم والسلاطيـن توقرهـم وأخـذ بالعطـاء والكفايـة أصحـاب عبـد الصمـد وهـم أئمـة المساجد والزهاد واستعبد القصاص والوعاظ وأكرم بني هاشم الأشراف بالعطاء الجزيل ثم عطف على الشحن والعمداء والعرب والتركمان فأرغبهم باللطائف والهدايا فصار في الحشمة والمحبة الذي لا يناله أحد فاحتاج إلى جاهه الخلفاء والملوك وما يسمع منه كلمة تدل على فعل فعله ولا إنعام أسداه ولا منة علـى أحـد وصمد لحوائج الناس وكان يعظم من يقصده في حاجة أكثر من تعظيمة من يقصده في غير حاجة. تولى ابن يوسف المارستان وهو لا يوجد فيه دواء ولا طبيب والمرضى ينامون على بواري النقض فطبقه بخمسة وعشرين ألف طابـق ورتـب فيـه ثمانيـة وعشريـن طبيبـًا وثلاثـة خـزان واتباع له أملاكًا نفسية وكان مقدمًا عند السلاطين. ولقد ماتت ابنته وكانت زوجة أبي عبد الله بن جردة فتبعها الأكابر والقضاة ومشوا بعض الطريق وجاءت صلف القهرمانة بطعام وشراب من عند الخليفة. وتوفي ابن يوسف في داره بباب المراتب يوم الثلاثاء ودفن يوم الاربعاء لأربع عشرة من محرم هذه السنة بقبر أحمد وأبيه وجده لأمه أبي الحسين بن السوسنجردي وغسله القاضي أبو الحسين بن المهتدي وصلى عليه ابنه أبو محمد الحسن داخل المقصورة وتبعه مائة ألف رجل سوى النساء وعطلت أسواق بغداد. قال محمد بن الفضل الهمذاني: حدثني رجل من أهل النهروان أن ابن يوسف كان يعطيه كل سنـة عشـرة دنانيـر فأتـى بعـد وفاتـه إلى ابن رضوان فأذكره بها فأعرض عنه فألح عليه فقال له: اطلـب مـن الـذي كـان يعطيـك. فمضـى إلـى قبـر ابـن يوسف وجلس عنده يترحم عليه ويقرأ القرآن فوجد عنده قرطاسًا فيه عشرة دنانير فأخذه وجاء إلى ابن رضوان فعرفه الحال فتعجب وتفكر فذكر أنه زار القبر وفي صحبته كواغد فيها دنانير قد أعدها للصداقة فسقط أحدها فقال ابن رضوان: خذه ولن أقطعك إياه كل سنة ما دمت حيًا. ومن العجائب: ما ذكره هبة الله بن المبارك السقطي قال: توفي الأجل أبو منصور بن يوسف فـورث عنه ابناه ثلاثين ألف دينار فتزوجا بابنتي علي بن جردة وقد ورثتا عن أبيهما ثلاثين ألف دينار عقارًا وعينا فانفق الجماعة ذلك في أيسر زمان حتى ظل قوم منهـم يتكففـون الناس. أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة توفي بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فمن الحوادث فيها أن الرغبات في الوزارة زادت فطلبها من لا يصلح واستقر أمر ابن عبد الرحيم فكتب العوام الرقـاع وألصقوهـا فـي الجامع باللعن لمن يسعى في هذا لأن ابن عبد الرحيم كان مع البساسيري نهب الحرم وقالت خاتون للخليفة: هذا الرجل من جملة من نهبني وكـان ابـن جهيـر يواصـل السؤال في العفو عن نفسه وتكلمت القهرمانة في حقه وبذل عنه خمسة عشر ألف دينـار فوقعت الإجابة وأعفي من المال وبعث حاحب الباب أبو عبد الله المردوسي ومعه خادمان لاستدعائه فأقبل إلى بغداد في يوم الأربعاء ثاني عشر صفر وفرج الناس بمجيئه حتى صام بعضهـم وتصـدق آخـرون وصعـد الخليفـة إلـى المنظـرة التـي على الحلبة لمشاهدته فلما نزل إلى باب النوبـي نـزل تحتهـا وقبّل ودعا ثم ركب والعوام حوله فلما وصل إلى باب النوبي نزل فقبّل العتبة ثم دخل إلى الديوان وانتهى حضوره فخرج فـي التوقيـع: وقـف علـى مـا انهيتـه وحصولـك واستقرارك بمقر عز خدمتك من الديوان مشمولًا بعز خدمتك الخدمة الشريفة قد أكمل الله لك بيمن بركتها كل بغية وأعادك إلى أفضل ما عهدته وليس فيما جرى بقادح في موضعك فأكثر حمد الله على ما أولاك ثم حمع الناس إلى بيت النوبة في يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول وجلس الخليفة في التاج على دجلة وأوصل الوزير إلى حضرته فقال للوزير: الحمد لله جامع الشمـل بعد شتاته وواصل الحبل بعد بتاته ثم خلع عليهم وركبوا في يوم الجمعة سادس ربيع الـأول إلـى جامـع المدنيـة في موكب كبير والناس يضجون بالدعاء والسرور به ومدحه ابن الفضل قد رجع الحق إلى نصابه وأنت من دون الورى أولى بـه ما كانت إلا السيف سلته يـد ثم أعادته إلى قرابـه هزّته حتى إذا رأته صارمًا رؤيته تغنيك عن ضرابه أكرم بها وزارة ما سلمت مـا استودعـت إلا إلـى أربابه مشوقة إليك مذ فارقتها شوق أخي الشيب إلى شبابـه حاولهـا قـوم ومـن هـذا الذي يخرج ليثًا حادرًا من غابه يدمى أبو الأشبـال مـن زاحمـه فـي خيسـه بظفره ونابه إن الهلال يرتجى طلوعه بعد السرار ليلة احتجابه والشمس لا يوءس من طوعهـا وعن طواهـا الليـل فـي جلبابـه ما أطيب الأوطان إلا أنها أحلى عليه أثر اغترابه لو قرب الدر على جالبه ما لجج الغائص في طلابه ولـو أقـام لازمـًا أصدافـه لـم تكـن التيجـان فـي حسابـه وفـي ربيـع الآخـر: جـرت فتنـة لأجـل أبـي الوفـاء بـن عقيـل وكـان أصحابنا قد نقموا عليه تردده إلى أبـي علـي بـن الوليـد لأجـل أشيـاء كـان يقولها وكان في ابن عقيل فيه فطنه وذكاء فأحب الاطلاع على كل مذهب يقصد ابن الوليد وقرأ عليه شيئًا من الكلام في الكلام في السر وكان ربما تأوّل بعض أخبار الصفات فإذا أنكر عليه ذلك حاول عنه واتفق أنه مرض فأعطى رجلًا ممن كـان يلـوذ بـه يقـال لـه: معالـي الحائـك بعـض كتبـه وقال له: إن مت فأحرقها بعدي فأطّلع عليها ذلك الرجل فرأى فيها ما يدل على تعظيم المعتزلة والرحم على الحلاج وكان قد صنف في مدح الحلاج جزءًا في زمان شبابه وذلك الجزء عندي بخطه تأول فيـه أقـوال وأفعالـه وفسـر أسـراره واعتـذر لـه فمـض ذلك الحائك فأطلع على ذلك الشريف أبا جعفر وغيره فاشتد ذلك له على أصحابنا وراموا الإيقـاع بـه فاختفـى ثـم التجـأ إلـى بـاب المراتـب ولـم يـزل فـي الأمـر يختبـط إلى أن آل الصلاح في سنة خمسين وستين.وفـي جمـادى الأولـى: بلغـت زيـادة دجلـة إحـدى وعشريـن ذراعـًا وثلثيـن وبلـغ إلى الثريا وفجرت بثقًا فوق دار الغربة ودخل الماء إلى مشهد النذور ومشهد المالكية والسبتي وتلوفي وسدّ. وفي عشية يوم الأربعاء رابع رجب: ولد للأمير عدة الدين بن أبي القاسم مولودكني: أبا الفضل وسمي أحمد وجلس الوزير فخر الدولة من غد للهناء به بباب الفرودس وابتدأ العوام بتعليق الأسواق ونصب القباب وتوفي وقت الظهر وحمل سرًا إلى الترب بالرصافة فحط ما علق. وورد من بلاد الروممن أخبر أن الأمير الأفشين التركي ومن معه من الغزاة خربوا بلاد الروم وبلغوا إلى عمورية واتفق أن ملك الروم قبض على بطريق كبير من بطارقته وهرب أخوة عند علمه بذلـك فصـادف الأفشين في طريقه فعرفه ما لحق أخاه من الملك ووعده أن يحتال على عمورية وبيـن يديـه الصلبـان وراسل من فيها بأن الملك أنفذني إليكم لأعاونكم وأشد منكم لأجل هؤلاء الغزاة العائثين في أعمالكم فخرجوا فتلقوه ومشوا بين يديه فحين ملك البطريق ومن معه البلد لحقـه الأفشيـن فدخل البلد فنهبه وقتل وسبى وأخذ من الأموال شيئًا عظيمًا وأسرى إلى قريب من بحيرة قسطنطينيـة فارغـًا علـى خيـر بلـاد الـروم هنـاك وأخـذ منـه نحـو ستة آلاف أسير وعاد إلى أنطاكية فحصرها فتقرر عليها عشرين ألف دينار أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي قال: بيـع السمـك النيّـىء عندنـا بالكوفـة - يعنـي فـي هـذه السنـة - فـي حـدود أربعيـن رطـلًا بحبـة ذهـب ومـا أحمد بن الحسن بن الفضل أبو الحسن ابن الكاتب مـن ساكنـي الحريـم الطاهـري ولـد سنـة سـت وسبعين وثلثمائة وسمع ابني بشران أبا الحسين وأبا القاسم وغيرهما وكان صالحًا ثقة وتوفي في ليلة السبت ثامن عشر ربيع الآخر ودفن يوم السبت بباب حرب. أحمد بن أبي حنيفة السوسنجردي حدّث عن أبي الحسين السوسنجردي. وتوفي يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول ودفن بباب حرب. عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن صهر عبد الله البزار المعدل ولد إحدى وثمانين وثلثمائة وحدّث عن أبي الحسن بن الصلت وتوفي في صفر وقيل: في محرم سنة إحدى وستين وكان ثقة. فمن الحوادث فيها أنه كان ثلاث ساعات من يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى وهو الثامن آذار زلزلة عظيمـة بالرملـة وأعمالهـا فذهـب أكثرهـا وانهـدم سورهـا وعـم ذلك ببيت المقدس وتنس وانخسفت أيلة كلها وانجفل البحر في وقت الزلزلة حتى انكشفت أرضه ومشى الناس فيه ثم عاد إلى حاله. وتغيرت إحدى زوايا الجامع بمصر وتبع هذه الزلزلة في ساعتها زلزلتان. وتوجه ملك الروم من قسطنطينية إلى الشام في ثلثمائة ألف ونزل على منبج ستة عشر يومًا وسار إليه المسلون فانهزم المسلمون وقتل جماعة منهم وأحرق ما بين بلد الروم ومنبـج مـن الضياع والقرى وقتل رجالهم وسبى نساءهم وخاف أهل حلب خوفًا شديدًا ثم انقطعـت الميرة عن الملك الروم فهلك من معه جوعًا فرجع. وفـي هـذه السنة: فسدت أحوال ملك مصر وقوتل فاحتاج فبعث فأخذ ما في مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام وضاقت يد أبي هاشم أمر مكة لا نقطاع ما كان يصله من مصر وغيرهما فعمد إلى ثياب الكعبة فقطع الذهب الذي فيها وسبكه وإلى قبلتها وميزابهـا وحلـق بابهـا فكسره وضربه دنانير ودراهم ثم عدل إلى مصادارات أهل مكة حتى رحلوا عنها وكذلك صنع أمير المدنية فأخذ قناديل وآلات فضة كانت هناك فسكبها. وفـي يـوم الثنيـن السـادس والعشريـن مـن جمادى الآخرة: حمع الأمير العميد أبو نصر الوجوه فأحضر أبا القاسم بن الوزير فخر الدولة والنقيبين والأشراف وقاضي القضاة والشهود إلى المدرسة النظامية وقرئت كتب وقفتها ووقـف كتـب فيهـا ووقـف ضيـاع وأملـاك وسـوق أبنـت عليهـا وعلى بابها عليه وعلى أولاد نظام الملك على شروط شرطت فيها. وفي شهر رجب: وصل رسول السلطان للخدمة والدعاء وأجيب بما أشرف به وأضحت توقيعًا بإقطاع مبلغ ارتفاعه سبعة آلاف دينار كل سنة من واسط والبصرة. وفي ذي القعدة: ورد من مصر والشام عدد كثير من رجال ونساء هاربين من الجرف والغلاء وأخبروا أن مصر لم يبق بها كبير أحد من الجوع والموت وأن الناس أكل بعضهم بعضًا وظهر على رجل قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها وحفر حفيرة دفن فيها رؤوسهم وأطرافهم فقتل وأكلت البهائم فلم يبق إلا ثلاثة أفراس لصاحب مصر بعد ألوف من الكراع وماتت الفيلة وبيع الكلب بخمسـة دنانيـر وأوقيـة زيـت بقيـراط واللـوز والسكـر بـوزن الدراهم والبيضة بعشرة قراريط والراوية الماء بدينار لغسل الثياب. وخـرج وزير صاحب مصر إلى السلطان فنزل عن بغلته وما معه إلا غلام واحد لعدم ما يطعم الغلمـان فدخـل وشغـل الركابـي عـن البغلـة لضعـف قوتـه فأخذهـا ثلاثة أنفس ومضوا بها فذبحوها وأكلوها فأنهى ذلك إلى صاحب مصر فتقدم بقتلهم وصلبهم فصلبوا فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم وقد أكلهم الناس وكانت البادية تجلب الطعام فتبيع الحمل بثلاثمائة دينار خارج ولا يتجاسرون أن يدخلوا البلد ومن اشترى منه فربما نهبه الناس منه وبيع من ثياب صاحب مصر وآلاته ما اشترى منه في دار الخلافة فوجدت فيه أشياء كانت نهبت عند القبض على مصر أحد عشر ألف درع وتجفاف وعشرون ألـف سيـف محلـى وثمانـون ألـف قطعـة بلـور كبـار وخمسـة وسبعـون ألـف قطعـة من الديباج القديم وبيعت ثياب النساء وسجـف المهـود وبيـع مـن هـذا الجنـس وحده نحو ثمانين ألف قطعة وبيع نحو خمس مسبعين ألف قطعة من الثياب الديباج وبيعت عشر حبات وزنها عشرة مثاقيل بأربعمائة دينار وباع رجل دارًا بمصر كان ابتاعها بتسعمائة دينار بسبعين دينارأ فاشترى بها دون الكارة من الدقيق. أحمد بن محمد بن سياووش الكازروني سمع أبا أحمد الفرضي وهلالًا الحفار وأبا عبد الله بن دوسـت وغيرهـم وكـان مكثـرًا ثقـة وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن قريبًا من رباط عتاب بالجانب الغربي. أحمد بن الحسن اللحياني الصفار توفي في رجب وكان يقرىء القرآن أحمد بن علي الأسد آباذي أبو منصور حدّث عن الصيدلاني وغيره. روى عنه أبو الفضل بن خيرون وأطلق عليه الكذب الصريح واختلاق الشيوخ الذين لم يكونوا وادعى ما لم يسمع. الحسن بن علي بن محمد بن باري أبو الجوائز الكاتب الواسطي ولد سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة سكن بغداد دهرًا طويلًا وكان أديبًا شاعرًا مليح الشعر. أخبرنا أبو محمد بن عبد الباقي قال: أنشدنا أبو الجوائز الحسن بن علي بن باري الواسطي لنفسه: واحربـا من قولها خان عهـودي ولهـا وحـق مـن صيرنـي وقفًاعليها ولها عبد الله بن عبد العزيز بن باكويه: روى الحديث وتوفي في باب حرب. محمد بن أحمد بن سهل أبو غالب بن بشران النحوي الواسطي ابن الخالة ولـد سنـة ثلاثيـن وثلثمائـة وكـان عالمـًا بالـأدب وانتهـت اليـه الرحلـة فـي اللغـة سمـع أبـا الحسين علي بن محمـد بـن عبد الرحيم وأبا القاسم علي بن طلحة وأبا عبد الله الحسين بن الحسن العلة في آخرين حدّث عنه أبو عبد الله الحميدي وغيره وله من الشعر المستحسن. أخبرنا محمد بن ناصر قال: أنشدنا أبو عبد الله الحميدي قال: أنشدني أبو غالب بن بشران لنفسه: يـا شائـدًا للقصـور كهلًا ** أقصر فقصر الفتى الممات لم يجتمع شمل أهل قصر ** إلا وقصراهـم الشتـات وإنما العيش مثل ظل ** منتقـل ماله ثيات قال: وأنشدني لنفسه: سيان إن لامـوا وإن غـدوا ** مالـي عن الأحباب مصطير لا غرو إن أغرى بحبهم ** إذ ليـس لـي فـي غيرهـم وطـر فليفعلـوا مـا حاولـوا فهم مني بحيث السمع والبصر لا بد لي منهم وإن تركـوا قلبي بنـار الهجـر يستعـر وعلي أن أرضى بما اصنطعوا وأطيعهم في كل ما أمروا قال: وانشدني لنفسه: ولما أثاروا العيس بالبين بينـت ** غرامي لمن حولي دموع وأنفاس فقلت لهم لا بأس بي فتعجبوا ** وقالوا الذي أبديته كله أس تعوض بانس الصبر من وحشة الاسى ** فقد فارق الاحباب من قبلك الناس قال: وأنشدني لنفسه: ودعتهم ولي الدنيا مودعة ** ورحت مالي سوى ذكراهم وطر وقلـت يـا لذتي بيني لبينهم ** فإن صفو حياتي بعدهم كدر لـولا تعلـل قلبـي بالرجاء لهم ** ألفيته إذ حدوا بالعيس ينفطر يا ليت عيسهم ويوم النوى نحرت ** أوليتها للضـواري بالفـلا جـزر طلبت صديقًا في البرية كلها ** فأعيا طلابي أن أصيب صديقا بلى من تسمى بالصديق مجازة ** ولم يك في معنى الوداد صدوقا فطلقت ود العالمين صريمة ** وأصبحت من أسر الحفاظ طليقا توفي ابن بشران في منتصف رجب هذه السنة. محمد بن الحين بن عبد الله بن أحمد بن الحسن ابن أبي علانة ولد في سنة ثمانين وثلثمائة وحدّث عن أبي طاهر المخلص روى عنه أبو بكر الخطيب وكان سماعه صحيحًا. وتوفـي فجـأة يـوم الخمـس العشريـن في شعبان من هذه السنة ودفن يوم الجمعة عند قبر معروف الكرخي. فمن الحوادث فيها وكان السلطان في فل من العسكر لأنهم عادوا من الشام جافلين إلى خراسان للغلاء الذي استنفـد أموالهـم فطلبـوا مراكزهم راجعين وبقي السلطان في نحو أربعة آلاف غلام ولم يرمع ذاك أن يرجع إلى بلاده ولم يجمع عساكره فيكون هزيمة على الإسلام وأحب الغزاة والصبـر فيهـا فأنفذ خاتون السفرية ونظام الملك والأثقال إلى همذان وتقدم إليه بجمع العساكر وإنفاذها إليه وقـال لـه ولوجـوه عسكره: أنا صابر في هذه الغزاة صبر المحتسبين وصائر إليها مصير المخاطرين فإن سلمت فذاك ظني في الله تعالى وإن تكن الأخرى فأنا أعهد إليكم وأشهد الله عليكم أ تسمعوا لولدي ملك شاه وتطيعوه وتقيموه مقامي وتملكوه عليكم فقد وقفت هذا الأمر عليه ورددته إليه. فأجوبوه بالدعاء والسمع والطاعة وكان من فعل نظام الملك وترتبيه ورأيه وأبقى السلطان مع القطعة من العسكر المذكورة جريدة ومع غلام فرس يركبه وفرس يجنبه وسـار قاصـدًا لملـك الروم وأنفذ أحد الحجاب في جماعة من الغلمان مقدمة له فصادف عند خلاط صليبًا تحته عشرة آلاف من الـروم فحاربهـم فنصـر عليهـم وأخـذ الصليـب وهربـوا بعـد أن أثخنـوا قتـلا وجراحًا وحمل مقدمهم إلى السلطان فأمر بجدع أنفه وأنفذ الصليب وكان خشبًا وعليه فضة وإقطـاع مـن الفيـروزج وإنجيـلًا كـان معـه فـي سفـط مـن فضـة إلـى همذان وكتب معه إلى نظام الملك ووصـل ملـك الـروم فالتقيـا بموضع يقال له الرهوة في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة وكثر عسكر الروم وجملة من كان السلطان يقاربون عشرين ألفا وأما ملك الروم فإنه كان معه خمسة وثلاثون ألفا من الإفرنج وخمسة وثلاثون ألفا مائتين بطريق ومتقدم مع كل رجل منهم بين ألفي فارس إلى خمسمائة وكان معه خمسة عشر ألفًا من الغز الذين من وراء القسطنطينية ومائة ألف روزجاري وأربعمائة عجلة تجرها ثمانمائة جاموسة عليها نعال ومسامير للدواب وألـف عجلة عليها السلاح والسروج والعرادات والمجانيق ومنها يمده ألف رجـل نقّـاب وحفّـار ومائـة ألف رجل ومائتا رجل. فراسل السلطان ملك الروم بأن يعود إلى بلاده وأعود أنا وتتم الهدنة بيننا التي توسطنا فيها الخليفة وكان ملك الروم قد بعث رسوله يسأل الخليفة أن يتقدم إلى السلطان بالصلح والهدنة فعـاد جـواب ملـك الـروم بأنـي قد أنفقت الأموال الكثيرة وجمعت العساكر الكثيرة للوصول إلى مثل هذه الحالة فإذا ظفرت بها فكيف أتركها هيهات لا هدنة إلا بالري ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فعل ببلاد الروم. فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع وقـال لهـم: نحـن مـع القـوم تحـت الناقـص وأريـد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعى فيها لنا والمسلمين على المنابر فإما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيدًا إلى الجنة فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحبًا عني فما ها هنا سلطان يأمر ولا عسكر يؤمر فإنما أنا اليوم واحد منكم وغاز معكم فمن تبعني ووهب نفسـه للـه تعالى فله الجنة والغنيمة ومن مضى حقت عليه النار والفضحية. فقالوا له: أيها السلطان نحن عبيدك ومهما فعلته تبعناك فيه وأعنّاك عليه فافعل ما تريد. فرمى القوس والنشاب ولبس السلاح وأخذ الدبوس وعقد ذنب فرسـه بيـده وركبهـا ففعلـوا مثله وزحف إلى الروم وصاح وصاحوا وحمل عليهم وثار الغبار واقتتلوا ساعة أجلت الحال فيها عن هزيمة الكفار فقتلوا يومهم وليلتهم القتل الذريع ونهبوا وسبوا النهب والسبي العظيم. ثم عاد السلطان إلى موضعه فدخل عليه الكهراي الخادم فقال: يا سلطان أحد غلماني قد ذكر أن ملك الروم في أسره وهذا الغلام عرض على نظام الملك في جملة العسكر فاحتقره وأسقطـه فخوطـب فـي أمـره فأبى أن يثبته وقال مستهزئًا لعله أن يجيئنا بملك الروم أسيرًا فأجرى اللـه تعالـى أسـر ملك الروم على يده. واستبعد السلطان ذلك واستحضر غلامًا يسمى: شاذي كان مضى دفعات مع الرسل إلى ملك الروم فأمره بمشاهدته وتحقيق أمره فمضى فرآه ثم عاد فقال: هوهو. فتقدم بضرب خيمة له ونقله إليها وتقييده وغل يده إلى عنقه وأن يوكل به مائة غلام وخلع على الذي أسره وحجبه وأعطاه ما اقترحه واستشرحه الحال فقال: قصدته وما أعرفه وحوله عشرة صبيان من الخدم فقال لي أحدهم: لا تقتله فإنه الملك فأسرته وحملته. فتقدم السلطان بإحضاره فأحضر بين ثلاث مقارع أو أربعًا ورفسه مثلها فقـال لـه: ألـم آذن لرسـل الخليفـة فـي قصـدك وإمضـاء الهدنـة معك وإجابتك في ذلك إلى ملتمسك ألم أرسلك الآن وأبذل لك الرجوع عنك فأبيت إلا ما يشبهك وأي شيء حملك على البغي فقـال: قـد جمعـت أيهـا السلطـان واستكثـرت واستظهـرت وكـان النصـر لـك فافعـل ما تريد ودعني من التوبيخ قـال: فلـو وقعت معك ماذا كنت تفعل بي قال: القبيح قال: صدق والله ولو قال غير ذلك لكذب وهذا رجل عاقل جلد لا ينبغي أن يقتل قـال: ومـا تظن الآن أن يفعل بك قال: أحد ثلاثة أقسام: الأولى قتلي والثاني: إشهاري في بلادك التي تحدثت بقصدها وأخذها والثالث: لا فائدة في ذكره فإنك لا تفعله قال فاذكره. قـال: العفـو عنـي وقبـول الأمـوال والفديـة منـي واصطناعـي وردي إلـى ملكـي مملوكًا لك نائبًا في ملك الروم عنك. فقـال: مـا اعتزمت فيك إلا هذا الذي وقع يأسك منه وبعد ظنك عنه فهات الأموال التي تفك رقبتك. فقال يقول السلطان ما شاء فقال: أريد عشرة آلاف ألف دينار. فقال: والله إنك تستحـق منـي ملـك الـروم إذا وهبـت لي نفسي ولكني قد أنفقت واستهاكت من أموال الروم أحد عشـر ألـف ألف دينار منذ وليت عليهم في تجديد العساكر والحروب التي بليت بها إلى يومي هذا فأفقرتهم بذلك ولولا هذا ما استكثرت شيئًا تقترخه. فلم يزل الخطاب يتردد إلى أن استقر الأمر على ألف ألف وخمسمائة ألف دينار وفي الهدنة على ثلاثمائة ألف وستين ألف في كل سنة وإطلاق كل أسير في الروم وحمل ألطاف وتحف مضافـة إلـى ذلـك وأن يحمل من عساكر الروم المزاحة فقال له: إذا كنت قد عليّ فعجّل تسريحي قبل أن تنصّب الروم ملكًا غيري ولا يمكنني أن أقرب منهم ولا أفي بشيء مما بذلته. فقـال السلطـان: أريـد أن تعيـد أنطاكيـة والرهـا ومنبـج فإنهـا أخـذت مـن المسلميـن عـن قـرب وتطلق أسارى المسلمين. فقال: إذا رجعت إلى ملكي سوف أريك ما أفعل فأنفذ إلى كل موضع منها عسكرًا وحاصره لا توصل إلى تسليمها فأما أن أبتدىء بذلك فلا يقبل مني وأما الأسارى فأنا أسرحهم وأفعل الجميل معهم. فتقدم السلطان يفك قيده وغله ثم قال: أعطوه قدحًا ليسقينيه فأعطي فظن أنه له فأراد أن فمنع منه وأمر أن يخدم السلطان ويتقدم إليه ويناوله إياه وأومأ إلى الأرض إيماء قليلًا علـى عادة الروم وتقدم إليه فأخذ السلطان القدح وجز شعره فجعل وجهه على الأرض وقال: إذا خدمت الملوك فافعل هكذا. وكان لذلك سبب اقتضاه وهو أن السلطان قال بالري: ها أنا أمضي إلى قتال ملـك الـروم وآخذه أسيرًا وأقيمه على رأسي ساقيًا. وانصرف ملك الروم إلى خيمته فاقترض عشرة آلاف دينـار فأصلـح منهـا شأنـه وفـرّق فـي الحواشي والأتباع والموكلين به واشترى جماعة من بطارقته واستوهب. فلما كان من الغـد أحضـره وقـد ضـرب لـه سريـره وكرسيـه اللـذان أخذا منه فأجلسه عليهما. وخلع قباءه وقلنسوته فألبسه إياهما وقال له: إني قد اصطنعتك وقنعت بقولك وأنا أسيّرك إلى بلادك وأردّك إلى ملكت. فقبّل الأرض أليس ينفذ إليك خليفة الله تعالى في أرضه رسولًا يحملك به ويقصد إصلاح أمرك فتأمر بأن يكشف رأسه ويشد وسطه ويقبّل الأرض بين يديك وكان بلغه أنه فعل هذا بابـن المحلبـان فقـال مـا فعلـت فقال: أليس الأمر على ما يقول. وبان له منه تغير فقال: يا سلطان في أي شي وفقت حتى أوفق في هذا وقام وكشف رأسه وأوما إلى الأرض وقال: هذا عـوض عمـا فعلتـه برسولـه فسـر السلطـان بذلـك وتقدم بأن عقدت له راية عليها مكتوب: " لا اله اللـه محمد رسول الله محمد رسول الله " فرفعها على رأسه وأنفذ حاجبين ومائة غلام يسيرون معه إلى قسطنطينية وشيعه نحو فرسخ فلما ودّعه أراد أن يترجل فمنعه السلطان واعتنقا ثم افترقا.وهذا الفتح في الإسلام كان عجبًا لا نظير له فإن القوم اجتمعوا ليزيلوا الإسلام وأهله وكان ملك الروم قد حدثته نفسه بالميسر إلى السلطان ولوالي الري وأقطع البطارقة البلاد الإسلامية وقال لمن أقطعه بغداد: لا تتعرض لذلك الشيخ الصالح فإنه صديقنا - يعني الخليفة - وكانت البطارقة تقول: لا بد أن نشتو بالري ونصيف بالعراق ونأخذ في عودنا بلاد الشام. فلما كان الفتح ووصل الخبر إلى بغداد ضربت الدبادب والبوقات وجمع الناس في بيت النوبة وقرئـت كتـب الفتـح ولمـا بلغ الروم ما جرى حالوا بينه وبين الرجوع إلى بلاده وملّكوا غيره فأظهر الزهد ولبس الصوف وأنفذ إلى السلطان مائتي ألف دينار وطبق ذهب عليه جواهر قيمتها تسعون ألف دينار وحلف بالإنجيل أنه ما يقدر على غير ذلك وقصد ملك الأرمن مستضيفًا به وكحله وبعث إلى السلطان يعلمه بذلك. أبو طاهر العكبري ولـد سنـة تسعيـن وثلثمائـة وسمـع الحديـث مـع أخيـه أبـي منصـور النديـم وتوفـي فـي ربيع الآخر من هذه السنة وكان سماعه صحيحًا. أحمد بن علي بن ثابت بن مهدي الخطيب أبو بكر ولـد يـوم الخمـس لسـت بقيـن مـن جمـادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلثمائاة كذا رأيته بخط أبي الفضـل بـن خيـرون وأول مـا سمع الحديث في سنة ثلاث وأربعمائة وهو احدى عشرة سنة وكان أبوه يخطب بدرب ريحان ونشأ أبو بكر ببغداد وقرأ القرآن والقراآت وتفقه على أبي الطيب الطبري وأكثر من السماع من البغدايين ورحل إلى البصرة ثم إلى نيسابور ثم إلى أصبهـان ودخل في طريقه همذان والجبال ثم عاد إلى بغداد وخرج إلى الشام وسمع بدمشق وصور ووصل إلى مكة وقد حج في تلك السنة أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي فسمع منه وقـرأ صحيـح البخـاري على كريمة بنت أحمد المروزية وكان قد أظهر بعض اليهود كتابًا وادعى أنـه كتابـًا وادعـى أنـه كتـاب رسـول اللـه صلـى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خبير وفيه شهادات الصحابة وأن خط علي بن أبي طالب فيه فعرضه رئيس الرؤساء ابن المسلمة على أبـي بكـر الخطيـب فقال: هذا مزوّر. قيل: من أين لك قال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان ومعاوية أسلم يوم الفتح وخبير كانت في سنة سبع وفيه شهادة سعد بن معاذ وكان قد مات يوم أسلم يوم الخندق. فاستحسن ذلك منه فلما جاءت نوبـة البساسيـري استتـر الخطيـب وخـرج مـن بغـداد إلـى الشـام وأقام بدمشق ثم خرج إلى صور ثم إلى طرابلس ثم عاد إلى بغداد في سنة اثنتين وستين وأقام بها سنة ثم توفي. فروى تاريخ بغداد وسنن أبي داود وغير ذلك وانتهى إليه علم الحديث وصنّف فأجاد فله ستة وخمسون مصنفًا بعيدة المثل منها: تاريخ بغداد وشرف أصحاب الحديث وكتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع والكفاية في معرفـة أصـول علـم الروايـة وكتـاب المتفـق والمفتـرق وكتاب السابق واللاحق وتلخيص المتشابه في الرسم وكتاب باقي التلخيص وكتاب الفصـل والوصل والمكمل في بيان المهمل والفقه والمتفقه وكتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس وكتاب الأسماء المبهمة والأنباء المحكمة وكتاب الموضح أوهام الجمع والترفيق وكتـاب المؤتنـف بكلمـة المختلـف والمؤتلـف وكتـاب لهـج الصـواب فـي أن التسميـة مـن فاتحة الكتاب وكتاب الجهر بالبسملة وكتاب رافع الارتياب في القلوب من الأسماء والألقاب وكتاب القنوت وكتـاب مـن وافق كنيته اسم أبيه وكتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد وكتاب الرحلة وكتاب الرواة عن مالك وكتاب الاحتجاج عن الشافعي فيما أسند إليه والرّد على الطاعنين بجهلم عليه وكتاب التفصيل لمبهم المراسيل وكتاب اقتفاء العلم بالعمل وكتاب تقييد العلم وكتاب القول في علم النجوم وكتاب روايات الصحابة عن التابعين وكتاب صلاة التسبيح وكتـاب مسنـد نعيـم بـن حماد وكتاب النهـي عـن صـوم يـوم الشـك وكتـاب الإجـازة للمعـدوم والمجهـول وكتـاب روايـات السنة من التابعين وكتاب البخلاء. فهـذا الـذي ظهـر لنـا مـن مصنفاته ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هيئ له مما لم وقد روي لنا عن أبي الحسين بن الطيوري أنه قال: أكثر كتب الخطيب متفادة من كتب الصوري ابتدأ بهما. قال: المصنف: وقد يضع الإنسان طريقًا فتسلـك ومـا قصـر الخطيـب علـى كـل حـال وكـان حريصًا على علم الحديث وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه وكان حسن القراءة فصيح اللهجة عارفًا بالأدب يقول الشعر الحسن. أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم الصائغ قال: أنبأنا أبو بكر الخطيب أنه قال لنفسه: لعمرك ما شجانـي رسـم دار وقفت به ولا ذكر المغاني ولا أثر الخيـام أراق دمعـي لأجل تذكري عهد الغواني عرفـت فعالـه بـذوي التصابـي وما يلقـون مـن ذل الهـوان فلم أطعمه في وكم قتيل له في الناس مـا يحصـى وعـان طلبت أخًا صحيح الود محضًا سليـم الغيب مأمون اللسان فلم أعرف من الإخوان إلا نفاقًا في التباعد والتداني وعالم دهرنا لا خيـر فيـه تـرى صـورًا تـروق بـلا معانـي ووصف جميعهم هـذا فمـا أن أقول سـوى فلـان أو فلـان ولما لم أجد حرًا يؤاتـي على ما ناب من صرف الزمان صبـرت تكرمًا لفراغ دهري ولم أجزع لما منه دهاني ولم أك فـي الشدائـد مستكينـًا أقـول لهـا ألا كفـي كفانـي ولكني صليب العود عود ربيط الجأش مجتمع الجنان أبيّ النفس لا أختار رزقًا يجـيء بغيـر سيفـي أو سنانـي لعز في لظى باغيه يشوى ألذ من المذلة في الجنان أشعار كثيرة وكان أبو بكر الخطيب قديمًا على مذهب أحمد بن حنبل فماله عليه أصحابنا لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه فانتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه وتعصب في تصانيفه عليهم فرمز إلى ذمهم وصرّح بقدر ما أمكنه فقال في ترجمة أحمد بن حنبل سيد المحدثين وفي ترجمة الشافعي: تاج الفقهاء فلم يذكر أحمد بالفقه. وحكى في ترجمة حسين الكرابيسي أنه قال عن أحمد: أيش نعمل بهذا الصبي إن قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق قال: بدعة وإن قلنا غير مخلوق قال: بدعة ثم التفت إلى أصحاب أحمد فقدح فيهم بما أمكن. وله دسائس في ذمهم عجيبة من ذلك: أنه ذكر مهنأ بن يحيى وكان من كبار أصحاب أحمد وذكر عن الدارقطني أنه قال: مهنأ ثقة نبيل وحكى بعد ذلك عن أبي الفتح الأزدي أنه قال: مهنأ منكر الحديث وهو يعلم أن الأرذيمطعون فيه فيه عند الكل قـال الخطيـب: حدثنـي أبـو النجيـب عبـد الغفـار بـن عبـد الواحـد الأموري قال: رأيت أهل الموصل يهينون أبا الفتح الأزدي ولا يعدونه شيئًا. قـال الخطيـب: حدثنـي محمـد بـن صدقـة الموصلـي: أن أبـا الفتـح قـدم بغـداد علـى ابن بويه فوضع له حديثًا: أن جبريل عليه سلام كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في صورنا فأعطاه دراهـم أفـلا يستحـي الخطيـب أن يقابـل قـول الدارقطنـي فـي مهنـأ بقـول هذا ثم لا يتكلم عليه هذا ينبىء عن عصبية وقلة دين. قـال الخطيـب علـى أبـي الحسـن التميمـي بقـول أبـي القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي وهو ابن برهـان وكـان الأسدي معتزليًا وقد انتصرت للتميمي من الخطيب في ترجمته قال الخطيب على أبي عبد الله بن بطة بعد أن ذكر عن القاضي أبي حامد الدلوي والعتيقي: إنه كان صالحًا مستجـاب الدعـوة ثـم عـاد يحكي عن أبي ذر الهروي وهو أول من أدخل الحرم مذهب الأشعري القدح في ابن بطة ويحكي عن أبي القاسم بن برهان القدح فيه وقد انتصرت لابن بطة من الخطيـب فـي ترجمـة ومـال الخطيـب علـى أبـي علـي بـن المذهـب بما لا يقدح عند الفقهاء وإنما يقدح ما ذكره في قلة فهمه وقد ذكرت ذلك في ترجمة ابن المذهب. وكان في الخطيب شيئان أحدهما: الجري على عادة عوام المحدثين في الجرح والتعديل فإنهم يجرحون بما ليس يجرح وذلك لقلة فهمهم والثاني: التعصب على مذهب أحمد يجرحون بما ليـس يجـرح وذلـك لقلة فهمهم والثاني: التعصب على مذهب أحمد وأصحابه وقد ذكر في ذكر في كتاب الجهر أحاديث نعلم أنها لا تصح وفي كتاب القنوت أيضًا وذكر في مسألة صوم يوم الغيـم حديثًا يدري أنه موضوع فاحتج به ولم يذكر عليه شيئًا وقد صح عن النبي صلى الله وقـد كشفـت عـن جميع ذلك في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق وتعصبه على ابن المذهب ولأهل البدع مألوف منه وقد بان لمن قبلنا. فأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه قال: سمعت إسماعيل بن أبي الفضـل القومسي وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وأبو بكر الخطيب. قال المصنف: لقد صدق إسماعيل وقد كان من كبار الحفاظ ثقة صدوقًا له معرفة حسنة بالرجـال والمتـون غزيـر الديانـة سمـع أبـا الحسيـن بـن المهتـدي وجابـر بـن ياسين وابن النقور وغيرهم وقال الحق فإن الحاكم كان متشيعًا ظاهر التشيع والآخران كانا يتعصبـان للمتكليـن والأشاعـرة ومـا يليـق هـذا بأصحـاب الحديـث لـأن الحديث جاء في ذم الكلام وقد أكد الشافعي في هذا حتى قال: رأيي في أصحاب الكلام أن يحملوا على البغال ويطاف بهم. وكان للخطيب شيء من المال فكتب إلى القائم بأمر الله: إني إذا مت كان مالي لبيت المال وإني أستأذن أن أفرقه على من شئت. فأذن له ففرقه على أصحاب الحديث وكان مائتي دينار ووقف كتبه على المسلمين وسلمها إلى أبي الفضل فكان يعزها ثم صارت إلى ابنه الفضل فاحترقت في داره. ووصى الخطيب أن يتصدق بجميع ما عليه من الثياب وكان يقول: شربت ماء زمزم لثلاث: على نية أن أدخل بغداد وأروي بها التاريخ وأن أموت بها وأدفن إلى جنب بشر بن الحارث وقد رزقني الله تعالى دخولها ورواية التاريخ بها وأنا أرجـو الثالثـة وأوصـى أن يدفـن إلـى جانب بشر. توفي ضحوة نهار يوم الثنين سابع ذي الحجة من هذه السنة في حجرة كان يسكنها بدرب السلسلة في جوار المدرسة النظامية وحمل جنازته أبو إسحـاق الشيـرازي وعبـر بـه علـى الجسر وجازوا به في الكرخ وحمل إلى جامع المنصور وحضر الأماثل والفقهاء والخلق الكثير وصلى عليه أبو الحسين بن المهتدي ودفن إلى جانب بشر وكان أحمد بن علي الطريثيثي قد حفر هناك قبرًا لنفسه فكان يمضي إلى ذلك الموضع ويختم فيه القرآن عدة سنين فلما أرادوا دفن الخطيب هناك منهم وقال: هذا قبري أنا حفرته وختمت فيه القـرآن عـدة دفعـات ولا أمكنكم. فقال له أبو سعد الصوفي: يـا شيـخ لـو كـان بشـر الحافـي فـي الحيـاة ودخلـت أنـت والخطيـب عليه أيكمـا كـان يقعـد إلـى جانبه فقال: الخطيب فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الموت فطاب قلبه ورضي فدفن الخطيب هناك. بن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي المنيعي أبو علي.كان في شبابه يجمع بين الدهقنة والتجارة فساد أهل ناحيته بالثروة والمروءة ثم أعرض عن الدنيا اشتغالًا بالتقوى والورع وسمع الحديث من جماعة وأخذ في بناء المساجد والرباطات والقناطر وبنى الجامع ببلده مرو الروذ وكان السلطان يجيء إليه ويتبرك به ووقع غلاء فكان ينصب القدور كل يوم ويطبخ فيها ويحضر زيادة على ألف منا من الخبر ويجمع الفقراء ويفرق عليهم ويوصل إليهم صدقة السر بحيث لا يعلم أحد ويتعهد المنقطعين في الزوايا ويتخذ كل سنة للشتاء الجباب والقمص والسراويلـات فيكسـو قريبـًا مـن ألـف فقيـر ويجهـز بنـات الفقـراء الأيتام ورفع الأعشار من أبواب نيسابور والوظائف عنه غيره ويمشي من بيته إلى المسجد ويلبس الغليظ من الثياب ويتمندل بإزار مـن صـوف ويصلـي علـى قطعـة لبـد ويقعـد علـى التراب فأصابه مرض من شدة تعبده فحمل إلى بلدته فتوفي في ذي القعدة من هذه السنة. كريمة بنت أحمد بن محمد بن أبي حاتم المروزيّة من أهل كشميهن قرية من قرى مرو وكانت عالمة صالحة سمعت أبا الهيثم الكشميهني وغيره وقرأ عليها الأئمة: كالخطيب وابن المطلب والسمعاني وأبي طالب الزينبي توفيت بمكة فـي هذه السنة. محمد بن وشاح بن عبد الله أبو علي مولى أبي تمام محمد بن علي ابن أبي الحسن الزينبي ولـد سنـة تسـع وسبعيـن وثلثمائـة. فـي جمـادى الآخـرة وقيـل سنـة سـت وسبعين وكان كاتبًا لنقيب النقباء الكامل وكان أديبًا شاعرًا وسمع أبا حفص بن شاهين وأبا طاهر المخلص وغيرهمـا وحدّث عنهم وكان يرمى بالاعتزال والرفض. توفـي فـي ليلـة الأحـد سابـع عشريـن رجـب هـذه السنـة عـن أربـع وثمانيـن سنـة وقبـره فـي مقبـرة جامع المنصور. أنبأنا محمد بن طاهر قال: أنشدنا أبو علي بن وشاح لنفسه: حملت العصا لا الضعف أوجب حملها عليّ ولا أني انحنيت من الكبر ولكنني ألزمـت نفسـي بحملهـا لأعلمها أنـي المقيـم علـى سفـر محمد بن علي بن الحسن بن الدجاجي أبو الغنائم القاضي سمع أبا الحسن الحربي السكوني وأبـا طاهـر المخلـص وابـن معـروف وغيرهـم وكـان سماعـه صحيحًا وهو من أهل السّنّة حدثنا عنه وكان له مال فافتقر في آخر عمره فجمع له أهل الحديـث شيئـاّ فلم يقبل وقال: وافضيحتنا آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا والله وتوفي يوم الخميس سلخ شعبان ودفن يوم الجمعة غرة رمضان بمقبرة الخيزران. محمد بن الحسين بن حمزة أبو يعلي الجعفري فقيه الإمامية.
|